[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هناك!
وعلى امتداد السلاسل الجبليّة المترامية على كتوف الأرض.. المتجذّرات الراسخات حتى أعماق الأعماق..
كانت قدسنا "فاتنة الأرض" تقيم على قمم الجبال أعشاشاً للأمل..وعلى تلال الكون أعراساً للشمس..وعلى الهضاب تنسج فِراشاً للخلود..
أرّقها الحرّ.. فآثرت الجبال مسكناً تشاكس الشمس حيناً..وتستحم بالطلّ في بواكير الصباح حيناً آخر..
ألهبت الشمس حُمرة خدودها..وأنضجت خمر شفتيها..وشاركتها السماء ؛اذ سكبت
زرقتها على شطآن عينيها فاذا بهما بحرّان ماجت فيهما عذوبة الشرق واسترخت
..
كبرت بملامح عربية ساحرة تقضّ مضجع العاشقين.. وبنضوج الأنثى المتضمّخة
بالحب باتت تفتّش عن عشيقها الملثّم الآتي اليها على صهوة حصانه الأبيض من
خلف بوابات المجهول..وأدراج الزمن الجريء..
كانت تُزهر في كل ليلة كلما أزهر القمر..وترقى إليه عبر سلالم السماء
كلما ارتقى.. تقف على قمم جبالها الشمّاء ترقب أجساد الطريق ،تفتش عن
عشيقها .. تقصّ للنجمات حكاية غرامها العابث في أصول أصولها..وتشكو للريح
أحلامها المُستباحة فيتجارى بتلاحين حزينة وغناء،يُراقص جنّيات
السكون؛ويراقصها.
وهكذا في كل ليلة تبقى هي وغرامها وأحلامها على موعد..
تنتظر وَحي الليل كي يتنزّل..فيُسدِل على المكان أشرعته ويُلقي على الأرض
السلام،ويغلّف المكان بضبابيته الرخيمة..ليحين موعد الحلم واللقاء.
غير أن الليل كان يتمادى في سكرته اللذيذة.. فينام الكون في أحضانه مرتلاً
صلوات الخشوع..بعدما استحمّ ببحيرات اللُّجين القمرية وشرب منها حتى
ثمِل....
فتعود أدراجها.. وقد تجمّد الأمل في الجسد الهُتان.. لتنام مثلهم في انتظار ليل آخر يعقبهُ فجر جديد؟!
واستمر الليل باشتياقها يطول..فتغرق رويدا رويدا في ظلام لا يحول ولا يزول ..
واستمر الفجر باكي الطلّ خجل القدوم...والمساء كنيران الشفق وقت أضرمت الشمس فية نيران الغضب..
وتعددت صباحات النوح ومساءات الانتظار..وهي لا زالت تعرج من تحت أقدام
الظل إلى كفوف النهار ..تتلوى بين أشواق تُزهر،وأشواك تلسع ،غير أنها تزداد
مع كل فجر جديد ألقاً،ومع كل مساء نائح شموخا وكبرياء ..فكثر الطامعين
بألقها،والحاسدين لعنفوانها..وباتت خطط الإستملاك تتوالى،وهي تقاوم وتقاوم
وبعينيها وعدٌ وتمنّي .. تنادي فارسها الملثم يأتيها على حصانه الأبيض
ينقضها من دنس فتنتهم،وكريه مؤامراتهم..حتى كادت أن تسقط على أعتاب
عشقها،وفارسها لا زال في ظلال الغيب يتوارى.
فاحت رائحة حبّها المحرّم المسروق..وغدا دمها مستباح مهدور..ونامت واجمة
في قفص الاتهام فلا شيء هنا غير ثعابين تأتيها خلسة من خلف شبابيك الضحى
تنهل من بحور عينيها ..ثم تتركها في ذبول يائس كما ريح السموم اذ لامست
جِيد الزنبقة الهيفاء.
شاخ الفجر بعينيها..وذبلت حقول الياسمين..وغدا وجه الحسناء شاحبا ..وباتت
لا تملك غير تباريح القصيد وتراتيل عشق واهية تنوح على شرفات الإغتراب..
،وما شاخ شوقها للملثم.
نامت تتأبط آمالها القتيلة..وذكريات حبها العليلة...وقررت الهروب إلى دنيا الأحلام علّ ما تمنته يُزهر وما انتظرته يعود.
اضطرب الشفق بحُلمها..الشفق الذي اعتاد صفعات الغروب ..وهاجت ريح صرصرٍ
عاتية أقضّت رُقاد الكون فلاحت تباشيرَ آتٍ من بعيد..أتُراه فارسها الملثم
على صهوة حصانه؟!
شق بريقٌ مرتجفٌ رأس الظلام فتوضّحت معالم الصورة ..
نعم!
انه فارسها الذي شاخت على عتبات انتظاره.
استهمّت.وحاولت النهوض غير أن لون الحلم قد تغيّر..ولاحت في الأفق غمامة
سوداء..ففارسها الملثّم محجوب الصورة،مشوّه الملامح،يحمل باليمنى السلاح
..غير أن يُسراه مبتورة مبتورة.وخلفه جحافلٌ تطارده...فتوارى خلف غبارهم
الملوّث المسكون بالأشباح..واختفى
علامة زمن فاصلة جادت بها الأقدار عليها.. وما بين فرحها وموته شعرة ..وها هي اللعبة تتجدد.
بكت..وعادت تمنّي النفس بفارس جديد أقوى وألف أقوى من كيدهم..وأكبر ألف أكبر من مؤامراتهم..وأوسع ألف أوسع من دائرة زمانهم ومكانهم.
وعاودت التقلب ما بين آمالها والسنين الهاربات..
ومع كل دورة زمنية كانت تورق آلافاً من المرات..وتُثمر آلافا من
المرات..غير أن الثمار كانت تتساقط في كل موسم ربيع تحت سياط أقدارها..
ملّ الضّجر من ضجرها حتى انفجر..وملّ البكاء من بكائها حتى انتحر..وهي لم تملّ الانتظار ولم يداهمها الضجر..
وبقيت هناك..تتعبد في صومعات العمر كراهب في حلقات الصبر يتعبد..تتلو على
طرقات الليل تراتيل اليقين.. ويصيح فجرها مع كل النهارات الجديدة بدعاء
المكروبين ..
ولا زالت حتى اليوم تنتظر فارسها الملثم الصنديد..الآتي اليها بالوعد والوعيد..غير أن شمس الأفق مقطبة الجبين تحذّر بالمغيب.
فهل لها من فارس ملثّم جديد..بالله أقوى من كيدهم ..
وبعشقها ألف ألف أقوى؟؟