تمييزه رغم الظلام الحالك.ابتسمت واقفة متجهة نحو السرير تاركة أختها
غارقة في خشوعها،وما ان وصلت الى باب غرفة نومهما ،هي وأختها حتى ارتجفت
لشيء روع وجدانها،وأخل برتابةكيانها،فهاهي أختها ،نائمة فوق الأريكة،تتنفس
بعمق ،ظلت أمام ذلك الباب مدة أو هذا ما خيل اليها قبل أن تعود اليها تلك
القدرة العجائبية التي نفقدها وقت الخوف الشديد وتوجهت نحوها قائلة
(نادية،نادية )).همهمت نادية عن غير ادراك قبل أن تعي أن أختها تناديها
قائلة ((ماذااا؟؟؟؟؟))انتهزت ايمان فرصة تركيزها فردت بسرعة
(أشكرك على
مبادرتك ،ولكن لا يمكن لأي شخص أن يتحرك بهذه السرعة فكيف كنت في المطبخ
(لشدة فقرهم) تصلين وتبتهلين وغدوت وسط السرير في لمح البصر كأن شيئا لم
يكن)).فتلقت الاجابة كالصفعة في وجهها : ((أنا لم أفارق مضجعي أبدا)).وجاءت
الصدمة الثانية ،وانفجرت الأسئلة المفعمة بالرعب داخل رأسها كالألعاب
النارية : (( من الذي أيقظني لصلاة الفجر ؟وكيف؟)). لم تأبه للساعة ولكنها
جعلت أختها تقسم برب السماوات السبع بأنها غير مسئولة ،وبعد أن فعلت ،تأكدت
من أن أسوأ مخاوفها قد تحقق وجلست فوق كرسي في المطبخ تفكر بعمق ،محاولة
نسيان هذا الواقع اللاعقلاني.ــــ سمعت تغاريد البلابل في الخارج ،وكانت
هناك رأسها فوق الطاولة بعد أن سال لعابها على ذلك الجلد الرخيص الذي
اشترته أختها ،فمها مفتوح لدرجة أن ظن الذباب أنها محطة لزجة للهبوط ولم
يتوان عن ذلك ،بينما يدها اليمنى ممدودة فوق الطاولة كأنها تحاول امساك شيء
ما ،أما الأخرى فقد كانت معلقة وسط الهواء،تتحرك بشكل لطيف من ان لأخر
.جاءت نادية فوجدتها على هذه الوضعية السخيفة ،بل لكزتها بشكل خفيف قائلة
( ايمان ،انها الثامنة والنصف))بعد أن وصلت هذه الرسالة الى تلافيف
دماغها ،حتى هبت مذعورة ،فقد تأخر الوقت ولكن لحسن الحظ استطاعت قطع ذلك
السيف وذهبت لعملها.ـــ في المساء وقبيل حلول الظلام ،كانت الأختان
كعادتهما يتناولان الطعام حين بدأت نادية بالكلام
(ما قصة قسم منتصف
الليل ؟ والسجادتان ؟))هنا تذكرت ايمان رعب أحداث أمسها وردت : ((هل
..ه..ل.هل كانت هناك سجادتان مفروشتان على الأرض ))ردت نادية
(نعم يا
مجنونة،هل استخدمتهما معا لتدشين بدئك صلاة الفجر)).وقفت ايمان بكل خفة
صفراء الوجه،وقد ترك الرعب أثرا على ملامحها السامية الجميلة ودون أي كلمة
توجهت الى المسجد القريب.ـــ بعد حكي قصتها على الامام،استأذنهما لبعض
الوقت ،وعاد بعد نصف ساعة مبتسما قائلا
(بنيتي ،لقد أنعم عليك الله بنعمة
عظيمة ،فقد زارتك المومنة))فردت ايمان بحدة ((المومنة ؟من هي
المومنة؟ولماذا زارتني؟))فرد الشيخ ((مهلك ابنتي ،...يقال أنه في الأزمان
الغابرة ،وبعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن قلة من الناس،تكالبوا
على صلاة الفجر،وتناسوا أجرها العظيم ،لذلك فيحكى أن جنية صالحة تدعى
المومنة ،كانت توقظهم للصلاة وسط العتمة ،وتتجسد على شكل من يحبونهم،لتريهم
عظمة الصلاة وروعتها ،لا ابنتي لست بمجنونة لقد زارتك بلا شك.))